|
|
مبادئ مسيحية:
الله ضابط الكل ــ 2 ــ
ملخَّص: 1. الله ضابط الكون. 2. الله ضابط العلاقات مع وبين البشر والحكَّام والدول. 3. الله ضابط الجسد والنفس والروح. 4. الله ضابط سلطان إبليس وتجارب المؤمنين.
تكلَّمنا في المقال السابق (عدد مارس، ص 25) عن الله ”ضابط الكل" الذي يهيمن على الكون كله بما فيه من أفلاك ومجرَّات، ونجوم وكواكب، ما في السموات وما على الأرض وما تحت الأرض، وكل المخلوقات الحية وغير الحية، أرواحاً كانت أم نباتاً أم حيواناً أم بشراً أم جماداً، سواء خلقها في لحظة من الزمان أم على مدى ملايين السنين. وكذلك تحدثنا عن الله ضابط العلاقات مع وبين البشر والحُكَّام والدول بحسب القانون الإلهي النافذ على مدى الأجيال سواء على الأفراد أو الجماعات: «يُقاوم الله المستكبرين، أما المتواضعون فيُعطيهم نعمة.» (يع 6:4، 1بط 5:5) وفي هذا المقال نستكمل الحديث عن الله ضابط الجسد والنفس والروح، والله ضابط سلطان إبليس وتجارب المؤمنين: 3 ــ الله ضابط الجسد والنفس والروح: الله بروحه وهب الحياة لكل الخلائق الحية وتاجها الإنسان. فالله واهب الحياة هو القوة المحركة في الجسد لأداء وظائفه. وبلغت أجهزة الإنسان كمال التركيب، كما تميَّز الإنسان بتفوُّق جهازه العصبي وحواسه وموهبة النطق واللغات، والتأمُّل فيما حوله، وبنموه في العلم والمعرفة، وقدرته على الابتكار والإبداع وتطويع قوى الطبيعة لخدمته على مدى الزمن؛ كما تفرَّد أيضاً بأنه وُجـِدَ في الهيئة التي تجسَّد عليها الرب في ملء الزمان. وحتى إذا قيل أن للإنسان سلطاناً على أعماله الجسدية الإرادية، فإن هذه خاضعة لجهازه العصبي الذي يعمل دون تدخُّله. وتتجلَّى هذه الحقيقة إذا أُصيب المخ أو النخاع الشوكي، وعندها قد يفقد الإنسان الحركة أو النطق أو الذاكرة أو غيرها من الحواس. وفوق هذا فليس للإنسان إرادة في أداء جهازه الهضمي أو قلبه أو تنفُّسه أو كليتيه وغيرها في صحوه أو منامه. كل ما في جسد الإنسان، إذن، يعمل بقوة واهب الحياة. وتواصل الأجهزة عملها طيلة حياة الإنسان حتى تأتي ساعة لا يعرفها تخرج فيها روحه ويعود الجسد إلى التراب. وبالنسبة للمؤمنين فإنهم يتمتعون بعمل الروح القدس في الأسرار. فالجسد بالمعمودية والميرون يتقدَّس ويصبح هيكلاً لسُكنى الروح (1كو 16:3)، وبشركة الجسد والدم يثبت المؤمن في المسيح ويثبت المسيح فيه وتنتسب أعضاء الجسد للمسيح (1كو 15:6)، وهكذا تنضبط الشهوات الجسدية لتحقِّق مشيئة الله خالقها دون أن تعمل لحساب الخطية. وينضبط الفكر ويتقدس ويتحقق قول الكتاب: «أما نحن فلنا فكر المسيح.» (1كو 16:2) ويمتد عمل الروح القدس ليُقدِّس النفس، فيضبط عمل الغرائز لتحقيق إرادة الله المقدسة ولتصير فاعلة لخير الإنسان وليست ضده. كما تتقدَّس العواطف والميول فلا تتجاوز حدود الطهارة؛ وحتى إن أخطأ المؤمن بالضعف، فإن الروح يُبكِّت ويستثير التوبة التي تُصحِّح المسار وتعود بالنفس إلى حضن المخلِّص. وفيما يتعلَّق بالشخصية فإن النعمة قادرة على أن تشفي النفس الطائعة من جوانب الضعف والنقص في الشخصية، وأن تنمي فيها جوانب القوة، وأن توجِّه سمات الشخصية الغالبة في الاتجاه الإيجابي. فاندفاع بطرس وحماسته دون تروٍّ صارت قيادة للكنيسة الوليدة مُحاربة وشجاعة في مواجهة العالم والموت. وتعصُّب شاول في اضطهاد الكنيسة تحوَّل في بولس إلى تبعية وانحياز لشخص المخلِّص، واحتمال للألم بكل فرح حبًّا في الملك المسيح. وروح الله هو الذي يساند ميول واشتياقات الروح، ويُنشِّط ألوان العبادة ويزيل الفتور وتشتُّت القلب، فتتصاعد الرغبة في الصلاة بــل إن «الروح نفسه يشفع فينا بأنَّات لا يُنطق بها» (رو 26:8)، ويصبح اللهج في كلمة الله والتأمُّل فيها وفهمها وطاعتها متعة الحياة، ويتعمَّق الإحساس بحضور الله في الزمان والمكان، ويتخلَّص الصوم من أيِّ عنصر مادي فيه ليصير فعلاً روحياً محضاً، ويصير التناول من جسد الرب ودمه عربوناً حقيقياً لدخول الملكوت. 4 ــ الله ضابط سلطان إبليس وتجارب المؤمنين: يبنما إبليس خصمنا يجول ”كأسد زائر ملتمساً مَن يبتلعه هو“ (1بط 8:5)، فإن الكتاب يُشجِّعنا على مقاومته راسخين في الإيمان (1بط 9:5)، وأننا إذا قاومناه فسيهرب مدحوراً (يع 7:4)، وأن إنزال الهزيمة به هو هبة الرب المنتصر للمؤمنين به. وقبل ساعات من الصليب أفصح الرب عن المصير الذي ينتظر إبليس في الموقعة القريبة عندما قال: «الآن يُطرح رئيس هذا العالم خارجاً» (يو 31:12)، وأن «رئيس هذا العالم قد دِين.» (يو 11:16) وتحققت إدانة إبليس وهزيمته بدم الصليب والموت والقيامة المظفرة. وفي رؤياه كتب القديس يوحنا مؤَمِّناً على هذه النتيجة بالهتاف العظيم الذي سمعه: «الآن صار خلاص إلهنا وقدرته ومُلْكه وسلطان مسيحه، لأنه قد طُرح المُشتكي على إخوتنا، الذي كان يشتكي عليهم أمام إلهنا نهاراً وليلاً. وهم غلبوه بدم الخروف وبكلمة شهادتهم، ولم يُحبُّوا حياتهم حتى الموت.» (رؤ 10:12و11) فالذي انتصر على إبليس في موقعة الصليب الدامية هو ينتصر لنا في كل مواقعنا مع عدونا المكبَّل الآن بالقيود، والذي لا يقدر أن يقتحم حياة كل المحتمين بسلطان المخلِّص المنتصر. إنه قد يخدع أو يُبالغ كذباً في حدود تأثيره أو قد يثير حولنا الزوابع، ولكنه لا يجد مجالاً حقيقياً لعمله إلاَّ في النفوس التي تعيش خارج دائرة الإيمان وقد سلَّمت أسلحتها وطواها العالم الحاضر الشرير، حتى تتحرر من أَسْر إبليس وتدرك التوبة أو تدركها التوبة: «إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل، حتى يغفر لنا خطايانا ويُطهِّرنا من كل إثم.» (1يو 9:1) وبالنسبة للعالم المضطهِد ولكل الظالمين الذين يتهدَّدوننا، وللتجارب والآلام التي يثيرها علينا العالم، فها هي كلمة الله تطمئنا وتساندنا أن «الله أمين، الذي لا يَدَعُكم تُجرَّبون فوق ما تستطيعون، بل سيجعل مع التجربة أيضاً المنفذ، لتستطيعوا أن تحتملوا.» (1كو 13:10) لقد عيَّن الله ــ الأمين الضابط الكل ــ سقفاً لِمَا يتعرَّض له المؤمنون من تجارب فلا تتعداه لِمَا يتجاوز قامتهم، ولتكون فقط بالقدر الذي ينقلهم إلى درجة أعلى من الإيمان، لا أن تحطمهم التجربة. وفي كل الحالات فالغلبة هي نصيب المؤمنين حسب وعده: «وهذه هي الغلبة التي تغلب العالم: إيماننا. مَن هو الذي يغلب العالم، إلاَّ الذي يؤمن أن يسوع هو ابن الله.» (1يو 4:5و5)
هذا هو الله الذي لا بداية له ولا نهاية، لأنه هو البداية والنهاية، ولا استقصاء لطرقه وأعماله أو إحصاء لفهمه. وهو الذي تحصرنا محبته، والذي يرعانا كضابط للكل حتى قبل أن نوجد وإلى الأبد. لقد هيَّأ المجال الذي نعيش فيه قبل ملايين السنين، وهو من أجلنا يسوس العالم وكل ما فيه بالعدل والرحمة، وفي عالمنا الداخلي الصغير microcosmos يضبط العلاقة بين الجسد والنفس والروح، ويوحِّدنا فيه لنظل دوماً في دائرة النعمة حتى نستوطن عنده، وهو الذي يُسيِّج حولنا ويحبط مكائد إبليس، ويهبنا الغلبة في التجارب، ويحوِّل حزننا إلى فرح. فشكراً لإلهنا ضابط الكل. دكتور جميل نجيب سليمان
|
