Home المقالات أعظم من يونان
Print

التجسُّد والإنسان:

 

رؤية مسيحية للجسد

 

بعد ما كلَّم الله آباءنا بالأنبياء قديماً، كلَّمنا نحن - الذين انتهت إلينا أواخر الدهور - في ابنه، الذي لم يكلِّمنا فقط، ولم يقترب إلينا فقط؛ بل لقد اتحد بطبيعتنا وصار مثلنا دون قصورنا وخطايانا، وشاركنا آلامنا وحَمَلَ أسقامنا، ثم اجتاز الموت من أجل كل واحد كاشفاً بجلاء عن محبته العظيمة للإنسان، والذي به دخل إلى الأقداس بدم نفسه فوجد لنا فداءً أبدياً. وهكذا فرغم تعالي الله فإنه لم ينعزل، ورغم تنازله لم يفقد جوهره ومجده!

 

في كل الأحداث التي صنعها الرب أو جاز فيها، كان نصيب الإنسان فيها أساسياً. والحديث هنا عن كيف غيَّر تجسُّد ابن الله رؤيتنا إلى الجسد والوجود.

الجسد ليس خاطئاً في ذاته:

 

ينظر البعض إلى الجسد على أنه مركز الشر وأنه هو الذي جَلَبَ الموت. ويحطُّ البعض من شأنه ويعتبرونه - مقارنة بالروح - شيئاً دنيئاً محتقراً (كما كان يفكر الغنوسيون الذين أقلقوا الكنيسة الأولى وصعب عليهم أن يقبلوا تجسُّد الكلمة)، وإذا تعلَّق الأمر بالطهارة عومل الجسد على أنه مصدر الأوجاع وحروب الشهوة.

 

وفي هذا أساء البعض فهم بعض الآيات من رسائل معلِّمنا بولس الرسول التي يتكلَّم فيها عن حالة الإنسان الطبيعي الذي يحيا حسب الجسد ولم يقبل الروح القدس، وتستعبده الخطية دون أن يستطيع الفكاك منها، ولم يُدرك بعد الإيمان بالمسيح المخلِّص، فيقول بلسانه: «فإني أعلم أنه ليس ساكن فيَّ، أي في جسدي، شيء صالح... وَيْحِي أنا الإنسان الشقي! مَنْ ينقذني من جسد هذا الموت.» (رو 18:7و24)

 

ولكن تجسُّد ابن الله يصحح لنا هذه النظرة السلبية إلى الجسد. فالجسد برغم أوضاعه الراهنة (خضوعه للمرض والوهن والموت، كآثار لدخول عنصر الموت إليه) ليس دنساً أو رجساً، ولا هو خاطئاً في ذاته، وإلاَّ ما كان المسيح قد أخذ لنفسه جسد الإنسان بلحمه ودمه وعظامه: «فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم، اشترك هو أيضاً كذلك فيهما» (عب 14:2). كما أن تجسُّد المسيح هو الشهادة أن «خليقة الله جيدة» (1تي 5:4)، وإلاَّ ما خلقها الله.

 

ولم تكن خطية آدم وحواء سقوطاً للجسد وحده، وإنما سقوطاً مزدوجاً، للنفس أولاً ثم الجسد: «قبل الكسر الكبرياء، وقبل السقوط تشامُخ الروح» (أم 18:16). فقد أثار إبليس فيهما الشك في كلام الله، وتجاوز وصيته، والتطلُّع إلى أن يكونا كالله عارفَيْن الخير والشر (وهي خطايا نفسية)، وبعدها كان سقوط الجسد الذي أكل.

 

بل ماذا نقول عن إبليس وهو ككل الملائكة روح بلا جسد (مز 4:104)، ألم يكن سقوطه بسبب خطية الروح، وهي الكبرياء والتمرُّد على الله (إش 13:14و14)؛ وبعدها أسقط معه ملائكة آخرين ومن بعدهم الإنسان وإلى آخر الأيام.

 

الإنسان الخاطئ، إذن، ليس جسداً يخطئ، ولكنه كلٌّ يخطئ: جسداً ونفساً وروحاً. والخطية لا تقتحم الجسد وحده؛ وربما تسقط النفس وحدها في خطايا: كالعداوة، الخصام، الغيرة، السخط، التحزُّب، الشقاق، الحسد (غل 19:5-21)؛ أو الروح وحدها: كالتمرُّد على الله وتحديه، كما فعل الشيطان، وكل مَنْ يُقاوم الحق كأصحاب الهرطقات. إن الخطية - مثل الجسد - تنسج عشها في الفكر والقلب: «الإنسان الشرير من الكنز الشرير (في القلب) يُخرِج الشرور» (مت 35:12)، «فإنه من فضلة القلب يتكلَّم الفم» (مت 34:12). القديس بولس يشير هنا (رو 20:7) إلى الشر الذي تفعله الخطية الساكنة في الإنسان (أي في النفس والقلب). وما أكثر الخطايا التي تتراكم في الفكر وتفرخ دون أن تظهر على صفحة الجسد.

 

وعندما قدَّم المسيح شريعة العهد الجديد في عظته على الجبل اتجه إلى جذور الخطية في النفس والقلب لكي تُجهَض بالنعمة من الأساس. فبداية زنا العقل شهوة القلب: «كل مَنْ ينظر إلى امرأة ليشتهيها، فقد زنى بها في قلبه» (مت 28:5). وبداية القتل الغضب الأحمق: «كل من يغضب على أخيه باطلاً يكون مستوجب الحكم.» (مت 22:5)

 

فالجسد المادي محايد، وهو مهيَّأ لأداء الوظائف بكل اقتدار، ولكن الشر الذي ينبع من الكنز الشرير (في القلب والنفس) هو الذي يستخدم أعضاء الجسد للشر، فتصير العين (وهي عضو لا يملك نفسه وخاضع للإرادة) شريرة (مت 23:6؛ 15:20). ويمكن أن يتحول تناول الطعام كمصدر للطاقة وتكوين مواد الجسم الحيوية إلى هدف في ذاته فيسقط الإنسان في الشراهة؛ والأعضاء التناسلية الموضوعة لاستمرار الحياة والنوع من خلال الحب الزيجي يمكن أن تتحول إلى أدوات للشهوة والتلذذ والعلاقات الحُرَّة بلا زواج ولا إنجاب ولا مسئولية أو تعهد، تحديًّا لوصايا الله.

ولكن لماذا يُنسب الشر والخطية إلى الجسد بالذات، بينما تُعبِّر الروح عن مجال الحياة مع الله؟

+ «لأن كل ما في العالم: شهوة الجسد، وشهوة العيون، وتعظُّم المعيشة.» (1يو 16:2)

+ «الذين يذهبون وراء الجسد في شهوة النجاسة.» (2بط 10:2)

+ «اسلكوا بالروح فلا تكملوا شهوة الجسد.» (غل 16:5)

+ «جسد الخطية.» (رو 6:6)

+ «جسد هذا الموت.» (رو 24:7)

+ «وأعمال الجسد ظاهرة: التي هي زنى عهارة نجاسة دعارة عبادة الأوثان سحر عداوة خصام غيرة سخط تحزُّب شِقاق بدعة حسد قتل سُكر بَطَر، وأمثال هذه...» (غل 19:5-21)

(رغم احتواء القائمة المظلمة على كثير من الخطايا النفسية، وهي ما تحته خط منها).

+ «إذاً لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع، السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح... فإن الذين هم حسب الجسد فبما للجسد يهتمون، ولكن الذين حسب الروح فبما للروح، لأن اهتمام الجسد هو موت، ولكن اهتمام الروح هو حياة وسلام. لأن اهتمام الجسد هو عداوة لله... فالذين هم في الجسد لا يستطيعون أن يُرضوا الله... لأنه إن عشتم حسب الجسد فستموتون، ولكن إن كنتم بالروح تُميتون أعمال الجسد فستحيون.» (رو 1:8-13)

+ «لأن مَنْ يزرع لجسده فمِن الجسد يحصد فسادًا، ومَنْ يزرع للروح فمِن الروح يحصد حياة أبدية.» (غل 8:6)

فلكي نفسِّر ارتباط الجسد في الآيات السابقة بأعمال الشر والفساد من الشهوة والموت وعداوة الله، يمكن القول:

 

1 - إن الجسد - من ناحية - هو الباب الذي تدلف منه الخطية إلى كل الكيان، وذلك عن طريق الحواس: «سراج الجسد هو العين، فإن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيِّراً، وإنْ كانت عينك شريرة فجسدك كله يكون مظلماً» (مت 22:6و23)، «فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل، وأنها بهجة للعيون، وأنَّ الشجرة شهية للنظر. فأخذتْ من ثمرها وأكلتْ وأعطتْ رجلها أيضاً معها فأكل.» (تك 6:3)

 

2 - والجسد - من ناحية ثانية - مادي ترابي، وإلى التراب سوف يعود (تك 19:3). ومن هنا فهو يمثِّل العنصر المحدود الذي يميل إلى الأرضيات والماديات. بينما الروح تمثِّل العنصر غير المحدود الذي يتَّجه إلى السمويات. ولذلك كتب معلِّمنا بولس الرسول: «إن الجسد يشتهي ضد الروح والروح ضد الجسد، وهذان يُقاوم أحدهما الآخر» (غل 17:5)، باعتبار ميولهما المتعارضة؛ وميَّز بين الذين في الجسد أو حسب الجسد (رو 5:8)، أي الذين لا تتجاوز اهتماماتهم  مركز العالم الحاضر وآماله، والذين في الروح أو حسب الروح (وفي حالة المؤمنين يكون الروح هنا هو الروح القدس).

 

3 - والجسد - من ناحية ثالثة - هو المجال الظاهر الذي تنعكس عليه فاعلية الخطية التي تبدأ في الفكر أو القلب. والخطية في أغلبها ذات تعبير جسدي، أما نشاطها الباطني فمحدود ولا يكتمل إلاَّ بتعبير (انفعال) جسدي. فالحسد والطمع والكراهية والغيرة والتمرُّد كلها تبقى كامنة حتى يتم التعبير عنها بأعمال جسدية تكشفها وتعريها.

 

وعلى العكس من ذلك اتجاهات القداسة. فرغم أن الجسد مشترك أيضاً في التعبير عنها بشكل أو بآخر (كالحب والفرح والوداعة والإيمان والتضرُّع والانسحاق والتذلُّل وغيرها)، إلاَّ أنها على الأغلب ذات نشاط باطني يُحرِّكه الروح القدس. ومن هنا فعندما يتكلَّم القديس بولس عن حياة القداسة ناسباً إيَّاها إلى الروح (أي الروح القدس)، فلأنها في المقام الأول ثمر الروح القدس، ولأنها ذات فعل داخلي لا يظهر كثيراً على صفحة الجسد.

 

بين الجسد والنفس والروح:

 

والحقيقة أن العلاقة بين الجسد والنفس والروح وثيقة جداً بحيث يصير من غير المنطقي أن نتعامل مع أحدهم دون الآخرَيْن. فالإنسان هو هذه العناصر الثلاثة مجتمعة: فجسد الإنسان بدون الروح مجموعة من العناصر والمركَّبات الكيميائية دون فاعلية؛ ولكن اجتماع الجسد مع الروح يصنع الشخص person، والنفس الحيَّة، والكائن الحيّ المتفاعل الحر المُريد.

 

فالجسم والنفس كوجهي العملة، يمثِّل الجسد فيها الواجهة المادية الظاهرة من الإنسان، حيث أداء الوظائف الحيوية من حِس وهضم وتنفُّس وحركة وتناسُل؛ وتمثِّل النفس الجزء الباطني، حيث مركز الانفعالات والعواطف والوجدان والعقل والغرائز وصفات الشخصية، والتي يهيمن عليها الجهاز العصبي، ويعبِّر عنها الجسد أيضاً. والروح في الإنسان هي عنصر الحياة للجسد الحي والنفس الحية. والموت هو مفارقة الروح للجسد والنفس، يخمد الجسد وينحل ويعود إلى التراب، وتمضي الروح إلى مكان الانتظار حتى القيامة عندما تلتقي عناصر الإنسان من جديد وإنما في جسد القيامة النوراني (بالنسبة للأبرار).

 

ونحن نعرف كيف تؤثِّر النفس في الجسد. كيف يختل أداء أجهزة الجسم بسبب الاضطرابات النفسية psychosomatic disorders (مثل قرح الجهاز الهضمي، مرض السكر، ارتفاع ضغط الدم، الشلل، فقدان البصر المؤقت، سقوط الشعر، وغيره). وكيف ينسجم الأداء الجسدي مع النفس التي تحيا في الروح القدس، في سلام يفوق العقل، وتعرف كيف تسيطر على انفعالاتها. بل إن حالة النفس الروحية تنعكس على صفحة الوجه، فالغضب والشراسة والنجاسة لها سماتها، كما أن القداسة والبرارة والوداعة لها أيضاً ملامحها.

 

الخطية، إذن، تدنس كل الكيان جسداً ونفساً وروحاً. والقديس بولس يوصي: «لنُطهِّر ذواتنا من كل دنس الجسد والروح» (2كو 1:7)، ويقولها المصلِّي في تحليل صلاة الساعة الثالثة، والكاهن يقولها في ختام القسمة: “طهِّر أنفسنا وأجسادنا وأرواحنا وأفكارنا ونياتنا...”.

 

وبالتالي فما تشير إليه الآيات: «ولكن الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات» (غل 24:5)، «أقمع جسدي وأستعبده» (1كو 27:9)، «يلجم كل الجسد» (يع 2:3)، «لا تصيِّروا الحرية فرصة للجسد» (غل 13:5)، «أن تُقدِّموا أجسادكم ذبيحة حيَّة مقدسة مرضية عند الله» (رو 1:12)، وما تحمله من اتجاهات لقمع الجسد، وصلبه، ولجمه، وضبط حريته، بل وتقديمه ذبيحة حية مقدسة؛ لن تكون بأي حال خاصة بالجسد وحده أو في المقام الأول، بل المقصود طبعاً وأولاً قمع الأهواء والشهوات (في الباطن)، والجهاد بالنعمة ضدها والسيادة عليها (تك 7:4)، فتصير الحواس بقوة الروح القدس خادمته للبر بدلاً من أن تكون نوافذ للشر وخادمة للخطية. ولو كان إذلال الجسد بغير الإيمان بالمسيح يخلِّص الجسد، لفاقنا في ذلك الهندوس الذين يسيرون على الأشواك والنار لتطهير الجسد وهو ما لا يمكن أن يتحقق (بدون الإيمان بالمسيح المخلِّص).

الجسد شريك في حياة القداسة:

 

إذا كانت الخطية تدنس كل الكيان كما ذكرنا، فالقداسة تضفي فعلها على كل الكيان أيضاً. ففي الصلاة والسجود والصوم والخدمة والجهاد والمثابرة وعمل الخير يشترك الجسد مع النفس والروح: «أنتم تعلمون أن حاجاتي وحاجات الذين معي خدمتها هاتان اليدان.» (أع 34:20)

 

المسيح الإله عندما صار إنساناً كاملاً، قدَّس الجسد والنفس الإنسانية كليهما: «أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس... فمجِّدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله.» (1كو 19:6و20)

 

والمسيح أيضاً قدَّس الممارسات الجسدية عندما أكل وشرب وسار وعمل ونام. إن وحدتنا مع المسيح تضفي على أفعالنا بُعْداً أُخروياً، كما أن أي عمل مهما صغر يستمد قيمته من كونه لأجل المسيح: «فإذا كنتم تأكلون أو تشربون أو تفعلون شيئاً، فافعلوا كل شيء لمجد الله» (1كو 31:10). وفيما يتعلَّق بالعلاقة الزوجية أزال عنها الكتاب شُبهة النجاسة: «ليكن الزواج مكرَّماً عند كل واحد والمضجع غير نجس» (عب 4:13) على غير فكر الغنوسيين الـ «مانعين عن الزواج.» (1تي 3:4)

الجسد للرب:

 

المسيح بتجسُّده حقَّق شركة الله في جسدنا أيضاً: «الجسد... للرب، والرب للجسد» (1كو 13:6)، «وأما الجسد فللمسيح» (كو 17:2). بل إن معلِّمنا بولس يؤكِّد على أن أعضاءنا هي للمسيح قبل أن تكون لنا: «ألستم تعلمون أن أجسادكم هي أعضاء المسيح» (1كو 15:6)؟ وبالتالي فلا حرية لي في جسد لا أملكه: «أفآخذ أعضاء المسيح وأجعلها أعضاء زانية؟ حاشا!» (1كو 15:6)

 

الكنيسة ترشم بالميرون كل أعضائنا (36 رشمة بعد المعمودية) فتقدِّسها للمسيح. وفي الإفخارستيا يمتزج جسد المسيح ودمه بكياننا فيحيا فينا بصورة نعجز عي سبر أغوارها: «أنا هو الخبز الحيّ الذي نزل من السماء. إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد. والخبز الذي أنا أُعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم. مَنْ يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيَّ وأنا فيه... مَنْ يأكل هذا الخبز فإنه يحيا إلى الأبد.» (يو 51:6و56و58)

 

نعم، إن الجسد وزنة مقدسة وهيكل للروح القدس (1كو 16:3؛ 19:6)، وهو وديعة علينا أن نحفظها (1تي 20:6). لقد اشترانا المسيح بدمه ومِن ثمَّ “فلنمجِّد الله في أجسادنا وفي أرواحنا التي هي لله” (1كو 20:6). أما الذين يرون أنهم يملكون أجسادهم فيجعلون منها “شيئاً” يُغالون في تزيينه، ونفوسهم خاوية من معرفة الله، وتابعين أهواءهم، وهدف حياتهم الكبير هو المتعة والاستهلاك الجنسي أو شراهة البطن، أو يتاجرون بأجسادهم كسلعة من أجل المال، أو يجرون وراء متع أخرى كالتدخين والمخدرات والكحوليات كحال الملايين من شباب عالم اليوم (ورجاله ونسائه) عابدي الفساد (رو 21:8)؛ فهُم - من ناحية - يُدمِّرون أجسادهم دون أن يدروا، وهم - من ناحية أخرى - يكسرون وصية الله: «ولكن الجسد ليس للزنا بل للرب» (1كو 13:6)، «ولا تقدِّموا أعضاءكم آلات إثم للخطية، بل... آلات برٍّ لله» (رو 13:6)، «لأن الله لم يدعُنا للنجاسة بل في القداسة» (1تس 7:4). وستكون النتيجة - إن لم يتوبوا - وبالاً عليهم: «إن كان أحد يُفسد هيكل الله فسيُفسده الله، لأن هيكل الله مُقدَّس الذي أنتم هو» (1كو 17:3). وليس فيروس الإيدز الذي التهم الملايين إلاَّ إعلاناً عن الغضب الإلهي على مَنْ شوَّهوا خليقة الله.

 

خلاص الجسد:

 

في القيامة سيتخلَّص الجسد من محدوديته وكل ضعف فيه ويتغيَّر: «إن لحماً ودماً لا يقدران أن يرثا ملكوت الله» (1كو 50:15)، فيقوم «في عدم فساد... في مجد... في قوة» (1كو 42:15و43). فالمسيح رأس الكنيسة «هو مُخلِّص الجسد (أيضاً)» (أف 23:5)، «الذي سيُغيِّر شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده» (في 21:3). لقد اشترك الجسد مع الروح في الخضوع للمسيح وفي كل أعمال الإيمان والقداسة والجهاد. ومن هنا فإنهما سيشتركان معاً في المجد الأبدي: «وكما لبسنا صورة الترابيِّ سنلبس أيضاً صورة السماويِّ.» (1كو 49:15)

 

وحتى من قبل القيامة، فكم أظهر الله مجده في أجساد قديسيه، فكانت تشفي الأمراض وتُخرج الأرواح الشريرة: «حتى كان يؤتَى عن جسده (أي جسد بولس الرسول) بمناديل ومآزر إلى المرضى، فتزول عنهم الأمراض، وتخرج الأرواح الشريرة منهم» (أع 12:19). وكان أليشع النبي في قبره عندما خرج المشيِّعون ليدفنوا رجلاً ميتاً، وبينما هم يدفنون الرجل الميت هربوا اضطراراً من جيش موآب «فطرحوا الرجل في قبر أليشع، فلما نزل الرجل ومسَّ عظام أليشع، عاش وقام على رجليه.» (2مل 21:13)



التجسُّد، إذن، هو إعلان إلهي بتقديس الجسد هيكلاً للروح القدس، وانتماء أعضائه إلى شخص المسيح، وتقديس كل ممارساته؛ بل وتقديس المادة والأرض والطبيعة وكل الكون. وهو دعوة إلى نظرة طاهرة إلى كل ما في الوجود.

دكتور جميل نجيب سليمان