Home المقالات أعظم من يونان
Print

 

 


 

في عيد الشهداء:

قضية الاضطهاد

 

كلما تعاودنا ذكرى الشهداء الأُول تقفز إلى أذهاننا آلاف الصور من الأهوال التي جازوها من أجل تمسُّكهم بمحبتهم للملك المسيح.

فبعد المطاردة والتشريد واللجوء إلى الشتات، وبعد التحقير والإهانة والتهديد، كانت تأتي ساعة التعذيب لحمل المؤمنين على التخلي عن إيمانهم بمخلصهم، وكان العالم يتفنن في وسائل التعذيب هذه: من الرجم والصلب والنشر والسحق والسَّحْل، إلى تقطيع الأطراف والحرق، أو تقديمهم كطعام للوحوش الجائعة في مشاهد للتسلية. كان السيف وقتها هو العقاب الأكثر رحمة بعد طول المعاناة، فيُقطع الرأس وتُختم الآلام ويُمنَح الإكليل ويُسرَع بالنفس إلى عريسها السماوي.

ويذكر سفر الأعمال شهيدين: أولهما: اسطفانوس الذي مات رجماً (أع 54:7ــ60)، وثانيهما: يعقوب بن زبدي الذي قُطِعَت رأسه بالسيف (أع 2:12). وخلال عقود قليلة بعد صعود الرب نال كل التلاميذ (عدا يوحنا) إكليل الشهادة، وظلت الحرب التي أعلنها نيرون على المسيحيين مستعرة للقرون الثلاثة التالية واشتهر بين الطغاة تراجان، ولكن فاق الجميع ديوقلديانوس. وكان نصيب المصريين (الأقباط) من اضطهاده هائلاً حتى إنهم جعلوا سنة 284م، وهي سنة ارتقائه العرش، هي بداية تقويمهم للشهداء. وبعد فترة من الهدنة بدأت بحكم الملك قسطنطين، جاءت عصور كانت ألوان التمييز الديني فيها قاسية أليمة وحُرم فيها المسيحيون من حقوق المواطن، وفُرضت عليهم الجزية أحياناً، فضلاً عن هدم الكنائس وحرق الكتب المقدسة.

ربما يحسب البعض أنه كان للاضطهاد عصوره وأنه قد تصاعد طويلاً ولكنه قد انحسر فيما بعد وعفا عليه الزمن. وإننا إذ دخلنا عصر حقوق الإنسان فلا مجال لحديث الآن عن اضطهاد أو استشهاد.

وربما قَصَرَ البعض مجالات الاضطهاد حالياً فيما تعانيه بعض الأقليات المسيحية هنا وهناك من اعتداءات أو تمييز في الحقوق الاجتماعية وحرية العبادة، ويراها ضد التطور الطبيعي للحياة الإنسانية وأن المجتمع العالمي سيتكفل بحصارها واستئصالها طال الزمن أو قصر.

فهل يترتب على هذا أن اضطهاد المؤمنين غير وارد في المجتمعات ذات الأغلبية المسيحية؟

وهل سقطت كلمات الكتاب التي تؤكِّد حتمية ودوام المواجهة بين المؤمنين ــ أينما كانوا ــ وبين العالم من حولهم، وأنها ستظل قائمة حتى انتصار الرب الأخير في مجيئه الثاني؟

عن المواجهة بين العالم والكنيسة:

 

لا يمكن القول إن ما سبق الرب ونبَّه إليه تلاميذه عمَّا سيُلاقونه في خدمتهم (وعن مساندة الروح القدس لهم) قد انتهت صلاحيته بنهاية عصر التلاميذ. ولكنه يظل موجَّهاً بالطبع لكل الخدام وسائر المؤمنين في كل زمان ومكان، فجميعهم تلاميذ: «اذهبوا وتَلْمِذوا جميع الأمم وعمِّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس» (مت 19:28). كما أن تعاليم الرب لم تكن مقصورة على مَن سمعوها منه بآذانهم، ولكنها لكل مؤمن يقرأ ويسمع كلمة الله منذ أن دُوِّنت وإلى آخر الأيام. وتعالوا نقرأ:

 

(1) «(وقال للجميع) إن أراد أحد أن يأتي ورائي فليُنكر نفسه ويحمل صليبه (كل يوم) ويتبعني.» (مت 24:16، مر 34:8، لو 23:9)

«ومَن لا يحمل صليبه ويأتي ورائي فلا يقدر أن يكون لي تلميذاً.» (لو 27:14)

«بـِعْ كل ما لك... وتعالَ اتبعني حاملاً الصليب.» (مر 21:10)

فالإيمان وتبعية المسيح يتضمنان بالضرورة إنكاراً للذات وانفصالاً عن العالم الشرير. فالصليب الذي نحمله (والذي يحملنا) يقف بيننا وبين العالم، يصلبه لنا ويصلبنا له: «مع المسيح صُلِبتُ، فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ» (غل 20:2)، «أما من جهتي فحاشا لي أن أفتخر إلاَّ بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به قد صُلِبَ العالم لي وأنا للعالم» (غل 14:6)، «ولكن الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات.» (غل 24:5)

فليس غريباً على كنيسة رأسها وسيدها مكلَّلٌ بالشوك ومخضَّبٌ بالدم أن تصير الآلام عنصراً أصيلاً في كيانها. وكما هي تنهض بقوة قيامته، فهي تتقوَّى بشركة آلامه (في 10:3).

(2) «إن كان العالم يُبغضكم فاعلموا أنه قد أبغضني قبلكم. لو كنتم من العالم لكان العالم يُحِبُّ خاصته. ولكن لأنكم لستم من العالم، بل أنا اخترتكم من العالم، لذلك يُبغضكم العالم... إن كانوا قد اضطهدوني فسيضطهدونكم.» (يو 18:15ــ20)

«في العالم سيكون لكم ضيق.» (يو 33:16)

«بضيقات كثيرة ينبغي أن ندخل ملكوت الله.» (أع 22:14)

«جميع الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوى في المسيح يسوع يُضطهدون.» (2تي 12:3)

فطالما نحن نسير على درب المسيح وفي إثر خطواته، فسينالنا ما ناله من مقاومة العالم الشرير. فقانون العالم يتفق مع قانون المسيح في نقطة واحدة: إما أن نكون للعالم، أو نكون للمسيح: «مَن ليس معي فهو عليَّ، ومَن لا يجمع معي فهو يُفرِّق.» (مت 30:12، لو 23:11)

ويصير منطقياً، إذن، أن يضيق بنا العالم ويعسر عليه أن يحتملنا، ويصير كل مَن يتبع المسيح موضعاً لمقاومة الشهوة، ومُحركاً لبغضة العالم وعداوته، هذا العالم الذي يجتهد أن يهز إيمانه وينقله من موقف الخصم العنيد إلى موقف الأسير الذليل: «ولكن كما كان حينئذ الذي وُلِد حسب الجسد (إسماعيل) يضطهد الذي حسب الروح (إسحق)، هكذا الآن أيضاً.» (غل 29:4)

يمكن القول إن علامة صدق إيماننا هي أن العالم يُبغضنا. وعلينا أن نفحص أنفسنا من جهة استحقاقنا المستمر لبغضة العالم هذه لئلا تمضي بنا الأيام فنشتهي مع العالم صُلحاً. ولنحذر إقبال العالم وانفتاحه علينا واندماجه فينا وعدم تعرُّضنا لاضطهاده: «ويلٌ لكم إذا قال فيكم جميع الناس حسناً» (لو 26:6)؛ فلعل هذا يكون علامة أننا تنكَّبنا الطريق وراء المسيح ورضينا بأن نلقي عنا صليبه وأن نخونه في بيت أحبائه.

(3) «لا يقدر أحد أن يخدم سيدين.» (مت 24:6)

«لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم.» (1يو 15:2)

«لا تكونوا تحت نير مع غير المؤمنين، لأنه أية خلطة للبر والإثم؟ وأية شركة للنور مع الظلمة؟ وأيُّ اتفاق للمسيح مع بليعال؟ وأيُّ نصيب للمؤمن مع غير المؤمن؟ وأية موافقة لهيكل الله مع الأوثان؟» (2كو 14:6ــ16)

«لم تقاوموا بعد حتى الدم مجاهدين ضد الخطية.» (عب 4:12)

والمؤمن مُطالَب أيضاً أن يكون في موقف المحارب المقاوِم: «فقاوموه راسخين في الإيمان» (1بط 9:5)، مشتركاً في «احتمال المشقات كجندي صالح ليسوع المسيح» (2تي 3:2)، عابراً من الباب الضيِّق، وسائراً في الطريق الكَرِب (مت 13:7و14، لو 24:13)، وأن يرفض الحلول الوسط أو الحياد، أو الشركة المؤقتة، وأن يكون استقلاله عن العالم ساطعاً لا لَبْس فيه. ففي هذه المواقف مع العالم لم يأتِ المسيح ليُلقي سلاماً واتفاقاً بل سيفاً وانقساماً (مت 34:10).

فهذه الحرب قد فُرضت علينا فرضاً عندما قبلنا المسيح مخلِّصاً. واضطهاد المؤمن الحقيقي من الخارج (العالم) ومن الداخل (الجسد) ليس أمراً عارضاً، ولكنه في صميم الحياة المسيحية. ولا طريق أمامنا غير رفض المصالحة ومواصلة الجهاد دون تراجع: «هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة» (2بط 4:1)، مستندين إلى وصية الله و«ناظرين إلى رئيس الإيمان ومُكمِّله يسوع.» (عب 2:12)

(4) على أننا لا ننشد الاضطهاد، لأننا مرضى نفسيون، أو أننا متشائمون نتفادى الفرح ونتوجس من مباهج الحياة، أو أننا نتلذَّذ بالألم ونفتش عليه، أو نسعى وراء تقدير الناس وتمجيدهم كمحتملين للعذاب أو كشهداء من أجل المبادئ. فسيف الاضطهاد مؤلم، ومحنة المؤمن في هذا العالم شديدة، ولكن الآلام مقبولة ــ رغم كل شيء ــ فقط لأنها حصاد تبعيتنا للمسيح الذي أحبنا وأسلم ذاته لأجلنا، ولأن طريق الصليب هو الطريق الوحيد للنور الأبدي: «وُهِبَ لكم لأجل المسيح لا أن تؤمنوا به فقط، بل أيضاً أن تتألموا لأجله» (في 29:1). فنحن بقبولنا المسيح، لا نسعى للاضطهاد، ولكن الاضطهاد هو الذي يسعى إلينا. والقديس أثناسيوس صار ضد العالم Contra Mundum، لأن العالم تحالف ضده.

 

الاضطهاد اليوم: تغيَّرت الوسائل والأهداف واحدة:

 

قد يتغيَّر شكل الاضطهاد ووسائله بتغيُّر الزمن، ولكن مضمونه وهدفه باقٍ على حاله لا يتغيَّر أو يتوقَّف إلاَّ بنهاية الأيام؛ ذلك أن محرِّكه في كل العصور واحدٌ، وهو إبليس رئيس هذا العالم (يو 11:16)، خصمنا الذي لا يهدأ ولا يهادن، والذي يجول مـن حولنا كأسد زائر ملتمساً مَـن يبتلعه (1بط 8:5)، وهو المشتكي علينا أمام إلهنا نهاراً وليلاً (رؤ 10:12)، وهو الذي له في كل عصر صورة ووجه، وله مع كل مؤمن أسلوب، وهو أحياناً يستخدم نفس أدواته القديمة بعد أن يجدِّدها ويصقلها لتُلائم العصر.

1 ــ أول مصادر المقاومة وأقربها إلى المؤمن هو ذاته وإنسانه العتيق وخبراته الخاطئة الماضية، فكم تؤرِّق المؤمن محاربات الداخل التي يثيرها إبليس.

2 ــ وكم يُضطهد المؤمن أحياناً من عائلته، فتُشهِّر به، وتُعطِّل مسيرته ودعوته، وتُحارب خدمته، وتسخر منه. والرب نفسه عانى من أقرب الناس إليه: «ولما سمع أقرباؤه، خرجوا ليمسكوه لأنهم قالوا إنه مختل» (مر 21:3)، حتى أنه قال: «وأعداء الإنسان أهل بيته.» (مت 36:10)

3 ــ وكم يُضطهد المؤمن اليوم باستغلال التقنيات الحديثة والفنون في تزيين الخطية (والخطايا الجنسية بالذات). فلم يَعُد العالم يُقدِّم الخطية مجرَّدة فجَّة، ولكنه يجتهد أن يعرضها في أجمل صورة ويغلِّفها بأبدع الأقنعة، ويكرِّس كل مواهب العقل الإنساني وقدراته الحديثة في خدمتها، ليس فقط لتصير مقبولة غير مُنفِّرة،  وإنما مُغرقة في الإبهار، سواء في الكتاب والقصة والمجلة أو في الفيلم والصورة الملونة عَبْر الأقمار الصناعية (على القنوات التلفزيونية العالمية والشبكة الدولية) التي تدخل إلى كل بيت بحكم التطور. إضافة إلى استغلال الموسيقى والأغنية والأماكن المترفة (كل هذا باسم الثقافة والترفيه)، فضلاً عن موجات الانحلال المختلفة في الملبس والزينة (باسم الموضة) وألوان الرقص الخليع بالغ الإثارة (باسم التسلية والتحضُّر وترويض الغريزة).

كما لا نغفل هذه الإباحية الجنسية التي تسود الغرب ــ والتي تزحف علينا بكل الوسائل ــ باسم الحرية والتربية الواقعية والعولمة وحتى حقوق الإنسان! فبصورة عامة لم تَعُد العلاقات الجنسية قبل الزواج معيبة خاطئة، وإنما على العكس مؤهِّلاً طبيعياً للارتباط (دون زواج) أو للزواج! وحتى الشذوذ الجنسي الذي كان في الماضي يثير الاستهجان والتقزُّز (والذي يشير اسمه إلى أنه ضد الطبيعة)، عُدِّل اسمه ليصير الجنسية المثلية، وصار في بعض بلاد الغرب حقًّا من حقوق الإنسان يكفله القانون، وتقوم من أجل قبوله التظاهرات، ويُدان مَن يُشهِّر بمن يمارسونه!

وعلى الناحية الأخرى اعتُبرت الطهارة تخلُّفاً حضارياً وتعبيراً عن نفسيات معقدة تناهض الطبيعة. واستُهلكت الغرائز، التي أودعها الله فينا لخيرنا، لحساب اللذة وعلى حساب مفهوم الحب المقدس والعائلة المسيحية، وصارت الحرية على عكس الوصية فرصة للجسد وسترة للشر (غل 13:5، 1بط 16:2).

إن انحسار الخطايا الجنسية بانتشار الإيمان في القرون المسيحية الأولى يتراجع الآن. بينما صار قرن الانتصارات العلمية هو أيضاً قرن التراجُع الخلقي وانتشار الخطية الفاجرة وارتفاع صوتها دون خجل أو مواربة، بل بكل جسارة وتبجُّح وتحدٍّ وادِّعاء وتفاخر: «مجدهم في خزيهم» (في 19:3)، كأنما صارت هي الحق المطلق! وأن حياة القداسة والعفة هي الانحراف المريض والتخلُّف الحضاري ومجافاة الطبيعة!

وسط هذا الجو الموبوء بلذة الجنس والخمر والمخدرات يتحرَّك المؤمنون والمؤمنات المتمسِّكون بطهارتهم كالسائرين على الجمر، يتعرَّضون للسخرية والعزلة كأنهم مرضى نفسيون لا يسندهم سوى إيمانهم بالمخلِّص الذي حرَّرهم، وثقتهم في غلبته في النهاية.

4 ــ العالم يضطهد المؤمن بسلاح المال في وقت تنتشر فيه عبادة المال في كل مكان، فيحجبه عنه ليورِّثه الهمّ أو الإحساس بالظلم، أو يغريه به للتخلُّص من ضائقته على حساب مبادئه والتزامه، أو يُحفِّزه للتطلُّع إلى حياة أكثر رفاهية وتنعُّماً حتى ينزلق إلى محبة العالم ويتوه منه هدفه الأبدي.

5 ــ العالم يتسلل إلى العائلة المسيحية ويجعلها تختلف وتنقسم على أمور ميتة (كالمال مثلاً) مستثيراً في القلب الطمع ومحبة الذات، أو يغري بالخيانة والتحلُّل من التعهُّد خضوعاً للشهوة، وقد ينخدع البعض وتكون النتيجة بيوتاً منهارة وضحايا كباراً وصغاراً.

6 ــ بينما يرى البعض أن التقدُّم العلمي الهائل واقتحامه لكل المجالات حتى الفضاء الخارجي، وانتصارات الطب المختلفة وتطلُّعاته لحل مشاكل الإنسان، واستخدام الهندسة الوراثية في الطب والإنتاج الزراعي والحيواني وغيرها من ألوان البحث؛ كلها تمجِّد الله الذي وهب الباحثين (حتى غير المؤمنين منهم) هذه القدرات. فالعالم المضلّ يستغل الفكر العلمي المجرَّد لهزِّ إيمان البسطاء وتقديم العلم على أنه التحدِّي المعاصر للإيمان بحيث يفقدون ثقتهم في قدرة الله وأنه ضابط الكل.

نعم، كان هناك وقت تجاوزت فيه الكنيسة الغربية اختصاصها ودخلت في خصومة مفتعلة مع العلم والعلماء، بل واقتادت بعضهم إلى محاكمات ظالمة. ولكن هذا العهد انقضى بل ــ في اعتذار علني شجاع ــ أعادت الكنيسة الاعتبار إلى العالِم جاليليو، كما تراجعت عن مناوأة نظرية التطور. وعلى مر السنين ظهرت كتابات عظيمة تُصالح بين الدين والعلم وتؤكِّد أن كلاًّ منهما في النهاية يقود إلى تمجيد الله: الدين عن طريق الإيمان، والعلم عن طريق المعرفة والبحث. ولكن يبقى لكلٍّ منهما الدائرة التي يعمل في نطاقها دون أن يُعادي أحدهما الآخر. العلم الصحيح ليس ضد الله، بل إنه في خدمة الله والإنسانية، إنه نتاج الرحمة ومحبة المريض والفقير والمحتاج والجائع وتيسير حياة الناس. والمؤمن لا يهاب تقنيات العالم الحديثة أو ينفر منها، بل هو يستخدمها في المعرفة والعلم والعمل والاتصال لمجد الله، وهي ليست عنده أدوات لتغذية الشهوة.

7 ــ وأليست محنة للمؤمن، وهو يرى نزعات الإلحاد والشكّ تجتاح شعوباً بأكملها كانت يوماً تتعبَّد للمسيح، وغيرهم ملايين يعبدون حتى الآن آلهة غريبة؟

8 ــ العالم يضطهد المؤمن بمحاولة التسلُّل إلى الكنيسة وضربها من الداخل، فيُغريها بالزعامة والشهرة أو بوفرة المال، أو بالعمل بالسياسة، ويجتذبها إلى أن يكون لها رأي في كل مجال، أو أن تتحوَّل إلى العمل الاجتماعي دون أن يقترن ذلك بالكرازة بالخلاص بهدف أن تختلط بالعالم وتذوب فيه فتفقد مصدر قوتها ويتراجع دورها في الشهادة للحق. ومن ناحية أخرى فإن العالم وأبواقه يستغل خطايا قلة من رجال الدين كي يُشهِّر بالكنيسة والمتدينين ويُلقي بالظلال على استقامة الجميع ويُعطي راحة للخطاة في خطيتهم.

9 ــ وأليس من المؤلم لنفس المؤمن أن يرى العالم متَّحداً ضد الكنيسة، جسد المسيح، كي تستمر منقسمة إلى كنائس ومذاهب، راضية بتفتيت الجسد الواحد ومقاومة محاولات الوحدة حفاظاً على المكان الأول؟

10 ــ وفي مجال الخدمة يضطهد العالم الخدَّام بإثارة التطلُّع إلى المكان الأول والتحلُّل من قانون ”الرجوع مثل الأولاد“ (مت 3:18)، وقانون ”غسل الأرجل“ (يو 14:13) اللذين اشترط الرب على خدَّامه الالتزام بهما، أو بأن تتحوَّل الخدمة إلى الشكلية، دون عمل روحي حقيقي أو كرازة بالتوبة.

11 ــ وبالنسبة للمؤمن العادي، فإن العالم يضغط بكل السُّبُل لإلهائه عن خلاصه وتوبته وعبادته ومعرفة الكلمة، وأن يكتفي بشكل العبادة دون فاعليتها وصورة التقوى دون قوتها، أو أن ينزلق إلى حياة مزدوجة يريد فيها أن يخدم سيدين (ولن يستطيع)، أو أن يتحلل من الالتزام الإيماني ومعرفة المسيح كي يتفادى عداء المتعصِّبين من غير المسيحيين.

12 ــ والقائمة طويلة، ولكن ربما تجدر الإشارة هنا إلى الاضطهاد النفسي والظلم الاجتماعي وألوان التمييز المختلفة وما يتفرَّع عنها من عشرات التفاصيل خاصة عندما يكون المؤمنون أقلية عددية وسط كثرة مناوئة.

(يتبع)

دكتور جميل نجيب سليمان

 

Last Updated on Saturday, 14 May 2011 17:47